هو أحد أهم أحياء الإسكندرية وأكثرها ازدحاما ليلا ونهارا..حي الإبراهيمية الذي يقع بوسط الإسكندرية ويقع بين البحر من الشمال وتحدها من الجنوب منطقة الحضرة وترعة المحمودية، اشتهر الحي بسكانه من الطبقة المتوسطة من الجاليات اليونانية والإيطالية والأرمينية والفرنسية ولا يزال بعضهم لا يقوى على مفارقته، ولا تزال أسماء المحال والمقاهي والمخابز تحمل أسماء بعضهم. ويقال: إن اسم الحي يعود إلى أنه في قديم الزمان كان أرضا مملوكة لأحد أبناء الخديوي إبراهيم.
يقول المترجم اليوناني ميخالي سولومونيديس، وهو من الجيل الثالث لليونانيين المولودين في مصر، ويرأس مجلس إدارة الجمعية اليونانية آسيا الصغرى بالإبراهيمية، لـ «العرب»: كنا نطلق على الإبراهيمية «كوكينيا» يعني الحي الأحمر وهو نفس اسم الحي المماثل في اليونان الخاص بالطبقة العاملة، كانت الإبراهيمية معقلا للطبقة المتوسطة من اليونانيين، كانت الإبراهيمية أغلبها فيلات لأجانب طلاينة وأرمن وحاليا كل الفيلات تهدمت وبنيت مكانها عمارات ضخمة».
وعن أشهر شوارع الإبراهيمية «لاجيتيهLa Gaité « يقول متحسراً: «كان فعلا شارع البهجة كان فيه مسرح لونا بارك، وسينما لاجيتيه وكان ملاكها يونانيين فارتوتيس وأثينيوس بولوس، وكانت سينما كبرى بها أكثر من ألف مقعد و11 لوجا، وكان به مطعم باناجوس الشهير وكان به استوديوهات تصوير كثيرة يديرها طليان وأرمن وفرنساويون كما كان الحال في شارع هليوبوليس الذي كنت أقطن فيه في صغري. وتغيرت أسماء تلك الشوارع حاليا فهم يعتقدون أن تغيير مسميات الشوارع سيغير من المحتوى والذكريات».
وعن روح البهجة التي كانت تبثها الجالية اليونانية في الحي، يسترجع ميخالي ذكريات احتفالات شم النسيم وتزيين العربات بالورود التي كانت تكسر هدوء الحي وسط التهليل والتصفيق، وأردف « كل يوم سبت كان لازم حفلة تنكرية في النوادي اليونانية». وحول النادي اليوناني الذي يعتبر أحد معالم الإبراهيمية، يقول: «كان ناديا وجمعية منذ عام 1906 وكان مقرها في فيلا بشارع الأمير إبراهيم بين الإبراهيمية وكامب شيزار لكنها تهدمت في الحرب العالمية الثانية وبعدها نقلنا للمقر الحالي، وكانت الجمعية اليونانية آسيا الصغرى تشرف اجتماعيا على النوادي اليونانية بالإسكندرية». ومن أشهر العائلات اليونانية في الإبراهيمية: عائلة روسوس التي ينتمي إليها ديميس روسوس المطرب السكندري اليوناني الشهير، وعائلات نيكولاو وأنجليلوبولوس، وكامباس وأوميرولي وساراندي وكانوا رجال أعمال وتجارا وأصحاب فنادق وكانوا يمولون الأنشطة الاجتماعية والثقافية للجالية.
تشتهر الإبراهيمية بسوق شيديا وهو أشهر أسواق الإسكندرية والمعروف بتنوعه الكبير، وقد ذكرته إستر تسيمر لي ـ هارتمان، في كتابها «حياتي في مصر – مذكرات فتاة سويسرية عاشت في الإسكندرية»، التي عاشت في الإسكندرية في الفترة ما بين (1934 – 1950) قائلة: «كنا نعيش في الإسكندرية في الأربعينات من القرن العشرين، وكنت أذهب كثيرا إلى سوق الإبراهيمية (سوق شيديا حاليا). وفي حي السوق كان يسكن مواطنون من بلدان البحر المتوسط في منازل تتكون من طابق أو طابقين. وكان من بين هؤلاء -بالإضافة إلى المصريين- اليهود والشوام واليونانيون والمالطيون والأرمن والإيطاليون وكثيرون من بلدان البحر المتوسط. وبينما كان صوت المغني الفرنسي «تينوروس» ينبعث من إحدى النوافذ مردِّداً أشهر أغانيه، كانت بعض الفتيات يقفن أمام منازل قديمة، ويتبادلن الشتائم باللغة العربية أو اليونانية أو الإيطالية، بينما كانت إحدى بنات الشام تقف على مقربة منهن، وقد فهمت كل حديثهن، وأخذت تضحك من قلبها.»..
يقطن الإبراهيمية حالياً عدد من أبناء الجالية الأرمينية بالإسكندرية وهم أكثر انطواءً من اليونانيين المنفتحين على المصريين، ومن بصماتهم في الحي نادي «ديكران يرجاد»، الذي تأسس عام 1902، ونادي «هومنتمن نوبار» الرياضي، واشتهر العديد منهم بامتهانهم الطب والصيدلة، وتحتضن الإبراهيمية جالية إفريقية من جنوب السودان ونيجيريا والسنغال أغلبهم من الطلبة مرتادي جامعة سنغور أو الجامعات المصرية ويقطنون الحي لقربه منها.
كان الحي وجهة لكبار الفنانين المصريين عقب انتهائهم من أداء أدوارهم على مسرح الريحاني القريب بمنطقة كامب شيزار، ووضع مسرح العبد الإبراهيمية تحت الأضواء طوال فترة التسعينات لمّا كان من أنشط مسارح الإسكندرية وتحول حالياً لقاعة أفراح بعد أن ظل فترة ناديا للبلياردو.
المصدر: alarab.qa