يعود المسار التاريخي للتواجد اليوناني بالإسكندرية إلي عمق ألفي عام وأكثر وترجع بداية ذلك المسار من خلال وضع حجر الأساس له عام 331 قبل الميلاد من قبْل الأسكندر الأكبر. إن تواجد العنصر اليوناني علي المدي الطويل هو أحياناً تواجد بارز ورئيسي وأحياناً أخري أقل من ذلك. في الأعوام الأولي كانت مدينة الإسكندرية “المدينة المحبوبة” لشاعرنا الكبير كونستانتينوس بيترو كفافيس ، حيث المكان والعصر الهيلينستي الماضي لكثير من قصائده التاريخية. وفي أحياء نفس المدينة تنكشف مؤامرة الخفافيش ، من الكتاب الثالث  لثلاثية “ولايات بدون حكومة” للكاتب ستراتيس تسيركاس. “ما هو التلخيص في هذه الكلمة : الإسكندرية ؟ …. خمس أعراق ، خمس لغات ، اثنتي عشرة ديانة ، خمسة أساطيل تشق المياه …. وتظهر اللغة اليونانية العامية وحدها للتمييز بين كل هؤلاء ، للكاتب “لورانس داريل”.

إن التواجد اليوناني بالإسكندرية لايزال واضحاً ومميزاً حتي الأن. وفي المدينة تقع نظرة المسافر علي أسماء المتاجر اليونانية ، وعلي مباني كلاسيكية حديثة عريقة لمهندسيين يونانيين ، وعلي أسماء الشوارع أو علي أحياء بكاملها. بدأ النزوح الكبير للأوروبيين وخاصة اليونانيين يصل إلي مدينة الإسكندرية منذ القرن الثامن عشر واشتدت حدته منذ بدايات القرن التاسع عشر ، أثناء تولي حكم محمد علي باشا ، والذي عمل علي إصلاح الدولة والذي أُعتبر بحق مؤسس مصر الحديثة. حينها  وبعد الثورة اليونانية ، التي بدأت موجة هجرة مستمرة ومتزايدة إلي مدينة الإسكندرية ، حيث بدأت الحقبة الأوروبية والمسماة بفترة الصفوة في تاريخ المدينة. يعتبر ميناء الإسكندرية مركز ترانزيت للقطر المصري وأيضاً يعتبر بحق واحد من أهم أسماء الموانئ الموجودة بالبحر المتوسط. لقد برع اليونانيون في قطاعات كثيرة لا تعد ولا تحصي ، مثل قطاع الزراعة ، اكتشاف أهم الأصناف ، والأنتاج ، وتجهيز وتجارة القطن والدخان والحبوب ، وفي صناعة المشروبات ، وفي القطاع المالي ، وأيضاً في أنشطة إقتصادية وتجارية كبيرة. وكان أعضاء الجمعية اليونانية يحتفظون بعدد كبير من المحلات التجارية والمطاعم وقاعات دور العرض والمسرح ، والملاهي الليلية ، والفنادق ، وأماكن تجارة الخضروات ، والبقالة ، والمخابز ، وأماكن بيع الحلوي ، والمطابع واستديوهات التصوير ، في حين اشتغل عمال كثيرون في تنفيذ أعمال مختلفة خاصة بتقديم المساعدة للمحتاجين بالمدينة. في بدايات القرن العشرين إزداد عدد اليونانيين بالإسكندرية إلي مائة وعشرون ألفاً. وكانت الجمعية اليونانية هي أكبر جمعية أجنبية موجود بمدينة الإسكندرية في ذلك الوقت. وأسس أعضائها عدد كبير من النوادي ، والروابط الرياضية ، وأندية لأنشطة فنية وإصدارات أدبية. وتميز اليونانيون خاصة في مجال الأدب والفنون التشكيلية وفي قطاعات علمية كثيرة (طبية ، علوم الصيدلة ، الزراعة ، الهندسة المعمارية إلخ). وأيضاً إزداد عدد الجالية بشكل مستمر حيث برزت الحاجة إلي تنظيم مؤسسات مناسبة لهذا العدد المتزايد. حيث تكفل الرواد الأوائل وكبار محسني الجالية اليونانية بالإسكندرية ببناء أول مستشفي يوناني عام 1830 ، والمسماة “المستشفي الأغريقي” ، في مكان مملوك ملكية خاصة للسيد/ ميخائيل توسيتسا. وتقريباً في نفس تلك الفترة تأسست أول مدرسة يونانية تابعة للجالية. وتوجد كافة المباني بالقرب من دير القديس سابا.

في الخامس والعشرون من شهر أبريل لعام 1843 تم تأسيس الجمعية اليونانية بالإسكندرية بمبادرة من القنصل الأول لدولة اليونان السيد/ ميخائيل توسيتسا (توسيتزا) ، والتي أُطلق عليها “الجمعية اليونانية المصرية للسكندريين”. في عام 1888 تم تغير إسمها إلي “الجمعية اليونانية بالإسكندرية”. وتم ضم مكاتب الجمعية اليونانية بالإسكندرية إلي مبني ذو ملكية خاصة بشارع مسجد العطارين. وبفضل تبرعات وهبات السيد/ ميخائيل توسيتساس وأشقائه ، إستحوذت الجمعية اليونانية بالإسكندرية في مدة قصيرة علي جميع المؤسسات التي أُعتبرت ضرورية وأساسية لخدمة إحتياجاتها وكذا المحافظة علي الروح القومية والدينية لأعضائها. ومع زيادة حركة الهجرة إلي مدينة الإسكندرية ، تم تأسيس مدرسة أخري عام 1853.

إنها مدرسة “توسيتسيا” والتي كانت تشتمل علي مدرسة للذكور وأخري للبنات وظلت تعمل لمدة 114 عاماً. وتوجد الأن في هذا المبني بطريركية الإسكندرية للروم الأرثوذكس وسائر إفريقيا. في عام 1847 منح السيد/ ميخائيل توسيتسا ، هذا الموقع لتأسيس أول كنيسة خاصة بالطائفة اليونانية ، وهي “كنيسة البشارة”. وكان ضمان وجود مكان بالإسكندرية لإيجاد مقابر كان بمثابة الرعاية الأولية. وقد منح محمد علي باشا اليونانيين الأرثوذكس مكان خاص وهو المكان الذي تم توسعته عن طريق شراء مزيد من الأرض في تلك المنطقة حيث توجد الأن المقابر اليونانية. كلما إزدهرت الأوضاع المادية للجمعية اليونانية بالإسكندرية ، كلما إنتشرت أنشطتها المختلفة وكذا أعمالها الخيرية. وأصبحت مثالاً للتقليد لباقي كل الجمعيات اليونانية بمصر ، والشرق الأوسط وسائر إفريقيا. في عام 1854 تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين اليونان وتركيا ، وذلك بسبب الموقف اليوناني أثناء الحرب الروسية – التركية ، والتي قد إندلعت قبل عام مضي. وقد إضطر السيد/ توسيتسا ومعه الكثير من اليونانيين إلي مغادرة مصر. في عام 1854 تولي الكونت/ ستيفانوس زيزينياس ، مقاليد أمور الجمعية اليونانية بالإسكندرية. وبتاريخ الخامس والعشرون (25) من شهر مارس عام 1856 ، تم إفتتاح كنيسة البشارة ، والتي مازالت تعمل حتي الأن.

ومن الرؤساء الذين خلفوه ، “ديمتريوس ريزوس” (1857 – 1862) ، قنسطنطينوس خرالمبيس (1862 – 1863) ، سوفوكليس قنسطنطينيذيس (1863 – 1871) وثيوذوروس راليس (1871 – 1885). وكان إهتمام الجميع ينصب في المحافظة علي أعمال الخير والإحسان التي تقوم بها الجمعية. وكان من أهم أعمال تلك الفترة هو إنشاء المستشفي الجديدة ، للقديس صفرونيوس. حيث كانت المستشفي علي إتصال كبير بالجالية اليونانية بالإسكندرية. حيث كان يوجد في هذه المستشفي الطبيب الألماني ر. كخ ، وبمساعدة الأطباء اليونانيين ، كارتولي وفالاسوبولو ، تمكن من إكتشاف بكتريا الكوليرا أثناء الوباء الذي إجتاح عام 1883 ، وهو الأمر الذي ساهم في إنتاج لقاح ضد هذا المرض. وفي هذه المستشفي أيضاً عٌولج الشاعر الكبير كونستانتينوس بيترو كفافيس ، ولفظ بها أنفاسه الأخيرة في يوم مولده بتاريخ 29 أبريل عام 1933.

تعتبر فترة رئاسة جورج أﭬيروف (1885 – 1899) واحدة من ألمع فترات الرخاء ، وهو الذي وهب حياته لأعمال الخير والأحسان إلي حد سواء تجاه اليونان وأيضاً تجاه الجمعية اليونانية بالإسكندرية. في عام 1878 تم تأسيس المدرسة الإعدادية المشهورة والتي تم تسميتها مدرسة “أﭬيروفيو الاعدادية” والتي ما تزال تعمل حتي اليوم. وقد تضاعف عدد الأطفال اليونانيين بالإسكندرية بشكل كبير ، مما جعل المدارس الموجودة لا تكفي لهذا العدد. ولذلك تم تأسيس مدرسة أخري من أموال السيد/ جورج أﭬيروف ، وهي مدرسة بارزة علي النمط الكلاسيكي الحديث “مدرسة أﭬيروفيو للبنات “. وقد إستمر عمل المدرسة حتي العام 1963 ، ونظراً لأنكماش التواجد اليوناني ونقص الطلبة ، تم منحها للدولة اليونانية واليوم توجد بهذا المكان “الغرفة التجارية اليونانية” و “فرع مؤسسة الحضارة اليونانية”. وأيضاً وبنفس القدر من الأهمية والتميز ذلك التبرع المقدم من السيد/ أﭬيروف ، إلي الدولة الأم اليونان. ونتيجة لعطائه وكرمه المستمر والذي وٌصف بأنه ضخم وهائل ، فقد أُعتبر من كبار المحسنين الوطنيين. تم الإنتهاء من كلية الهندسة الوطنية “ميتسوفيو” ، والتي بدأت بفضل أموال اليونانيين السكندريين “توسيتسياس” و”ستورناريس” ، وذلك من قبْل السيد/ أﭬيروف. وكذا قام السيد/ أﭬيروف ، بتمويل تأسيس الأكاديمية العسكرية ، وأيضاً تمويل سجون للقاصرين بأثينا والكلية الزراعية بمدينة لأريسا. وقد وهب أموال كثيرة وعدة أماكن إلي بلدية “ميتسوفو” وقدم الدعم “لمعهد أثينا للموسيقي”. وقدم مبلغً من المال بقيمة مليون درخمة من أجل إعادة بناء ستاد باناثينايكوس ، حيث تم إحياء الألعاب الأوليمبية. وبفضل تبرعاته تم شراء الطراد الأسطوري وسفينة القيادة للأسطول اليوناني ” أﭬيروف ” والذي حمل اسمه تكريماً له ، وبدوره ، تم تكريمه في التاريخ اليوناني. في بدايات القرن العشرين بلغ عدد اليونانيين المقيمين بالإسكندرية نحو 150000 ألف شخص وكان المستوي المادي والإجتماعي وكذا الثقافي لحياتهم أعلي بكثير من المستوي المقابل الذي كان سائداً حينها في اليونان.

وقد خلف السيد/ أﭬيروف ، في رئاسة الجمعية اليونانية السيد “قنسطنطينوس سالفاغوس” (1900 – 1901) ، وهو من جزيرة خيوس ، ويعد واحد من مؤسسي البنك الأهلي المصري. وكان واحداً من أهم العوامل في عالم التجارة وشخصية هامة جداً في مجتمع الصفوة لمدينة الإسكندرية. وكانت جنازة السيد/ سالفاغوس ، صغيرة لأنه توفي بشكل مفاجئ عام 1901.

وقد خلف السيد “قنسطنطينوس سالفاغوس” ، شخصاً أخر لا يقل أهمية في تاريخ رؤساء الجمعية اليونانية وهو السيد “إيمانويل بيناكيس” (1901 – 1911) وهو من جزيرة سيروس ، وواحد من تجار القطن ومؤسس الشركة العالمية “خوريميس – بيناكيس”. أثناء فترة رئاسة السيد/ بيناكيس ،  تم نقل المكاتب التابعة للجمعية اليونانية بالإسكندرية إلي المربع اليوناني بمنطقة “الشاطبي”. وهو الذي يسمي اليوم “المربع الأخير” حيث توجد هناك مكاتب الجمعية اليونانية بالإسكندرية حتي الأن. وقد بدأت عائلة/ سالفاغوس ، في بناء المربع اليوناني بمنطقة “الشاطبي” وذلك في ذكري قنسطنطينوس سالفاغوس. في عام 1906 ، تم تأسيس “مدرسة سالفاغوس التجارية” التي كانت تعتبر رؤية عظيمة للسيد/ أﭬيروف. وتطورت”مدرسة سالفاغوس التجارية” إلي كلية للتجارة وظلت تعمل حتي عام 1927. وفي عام 1927 تم دمج مدرسة “زيرﭬوذاكيوس” مع مدرسة ” أﭬيروفيو الاعدادية المشتركة ” ومع القسم التجاري بنات. وكذا تم تأسيس مدرستين جديدتين ، “مدرسة البنات العليا” ومدرسة “التفصيل والخياطة”. في عام 1908 ، قام السيد/ بيناكيس ، بتأسيس “مطبخ بيناكيو للفقراء” التابع للجمعية اليونانية وذلك لخدمة إحتياجات الفقراء والمحتاجين من الجمعية اليونانية. في عام 1909 ، قام السيد/ إيمانويل بيناكيس وقرينته السيدة/ فيرجينيا ، بتأسيس “دار أيتام بيناكيو للبنات” وذلك عن طريق بناء مبني كبير ويوجد بالمربع اليوناني بمنطقة “الشاطبي”. وتم إغلاق دار الأيتام عام 1970. ومنذ عام 1972 توجد هناك القنصلية اليونانية العامة بالإسكندرية.

وخلال رئاسة السيد/ بيناكيس ، تم إصلاح “مدرسة توسيتسيا” وكذالك تم تطوير المستشفي لتشمل أقسام الرمد والباطنة وأقسام للأمراض المعدية والإسعافات الأولية ، وكذا مدرسة تابعة للمستشفي. وقد لعب السيد/ بيناكيس ، دوراً رئيسياً في تعزيز الصراع المقدوني. وقد هنأ الملك/ جورج ، ووجه الشكر للجمعية اليونانية بالإسكندرية لإسهامها وإشتراكها تجاه الأمة اليونانية. وقد عبر اليونانيين المقيمين بالإسكندرية عن تأييدهم ودعمهم الكامل بطرق كثيرة تجاه موضوعات تتعلق بالوطنية وكذا مساعدتهم لضحايا الزلازل ولكل أنواع الكوارث. في عام 1911 تقدم السيد/ بيناكيس ، بإستقالته من رئاسة الجمعية وعاد إلي اليونان ليكرس جهوده في خدمة بلده. وقد شغل منصب وزير الزراعة ورئيس لبلدية أثينا.

وقد أسس “أنطونيس بيناكيس” نجل “إيمانويل بيناكيس” ، الكشافة اليونانية والكشافة المصرية. حيث استقر في أثينا في وقت لاحق ، وبعد وفاة والده ، تبرع لعائلته بفيلا بدولة اليونان. ويوجد هناك الأن متحف “بيناكيس” بمدينة أثينا. وقد تزوجت بينيلوبي ، نجلة السيد “إيمانويل بيناكيس” من الصحفي “ستيفانوس دلتا” ، وتعتبر “بينيلوبي دلتا” من أشهر كتابي كتب الأطفال والشباب.

وقد خلف ” إيمانويل بيناكيس” في رئاسة الجمعية اليونانية بالإسكندرية ، السيد “ميكيس سيناذينوس” (1911 – 1919) وهو من جزيرة خيوس ، وكان أيضاً يمتاز بشعبية ممتازة وسط الجالية اليونانية. وكان “ميكيس سيناذينوس” واحد من مؤسسي الأوركسترا الموسيقية اليونانية. وقد شغل منصب رئيس “نادي محمد علي” والذي لعب دوراً كبيراً في المجتمع السكندري أنذاك. وقد أرسلت الجمعية اليونانية بالإسكندرية تحت رئاسته مساعدة إلي القوات اليونانية أثناء الحروب البلقانية والحرب العالمية الأولي.

وقد خلف “ميكيس سيناذينوس” عند وفاته في العام 1919 ، السيد “ميخائيل سالفاغوس” ابن السيد   “قنسطنطينوس سالفاغوس”. وقد استمرت فترة رئاسته نحو 29 عاماً  وهي الأطول حتي الأن. ويبقي “ميخائيل سالفاغوس” واحد من أهم ومبدعي رؤساء الجمعية اليونانية بالإسكندرية. وخلال فترة رئاسته تم تجديد مكاتب الجمعية اليونانية ، كما تم بناء “مدرسة فاميلياذيوس” لكي تقوم علي خدمة الأطفال اليونانيين المقيمين بمنطقة “العطارين” وأيضاً محطة السكك الحديدية الرئيسية ، محطة مصر ، كما يطلق عليها. وفي عام 1925 ، وبفضل منحة موجهة من “أنطونيس أنطونياذيس” تم تأسيس دار لرعاية المسنين. وقد كان والد السير/ “يوأنيس أنطونياذيس” هو من منح بلدية الإسكندرية القصر الخاص بالعائلة بحدائقه المشهورة للترويح عن أهالي الإسكندرية. وفي نفس المكان الأن توجد حديقة الحيوان وحديقة النباتات. وخلال فترة رئاسته ومن خلال مشاركة ومساعدة عائلة “كوتسيكا” ، تم بناء مستشفي متطور ومتعدد الطوابق ، ومجهزة علي أعلي مستوي. تولت الجمعية اليونانية بالإسكندرية إدارة المستشفي والذي تم إفتتاحه عام 1938. وقد لعبت مستشفي “كوتسيكيو” دوراً هاماً أثناء فترة الحرب العالمية الثانية ، عندما فرا جنود الجيش اليوناني إلي مصر وكذا الحكومة اليونانية المنفية بسبب الغزو الألماني لليونان. وأثناء فترة الحرب تم علاج الجرحي اليونانيين والمصريين وكذا الحلفاء داخل أسرة المستشفي والبالغ عددها مائتان وخمسون (250) سريراً. في عام 1964 تم بيع المستشفي من الحكومة اليونانية إلي الحكومة المصرية. وأثناء فترة “سالفاغوس” فقد عاشت الجمعية اليونانية بالإسكندرية فترة أخري مضيئة. وبعد وفاته بدأ الأنكماش وأيضاً الظروف السياسية والإقتصادية التي سادت في مصر أثناء تلك الفترة والتي أثرت بالسلب فيما يخص قوانين العمل الجديدة بالنسبة للأجانب ، وإعادة توزيع الأراضي الصالحة للزراعة وتأميم المؤسسات والشركات الخاصة الكبيرة. وبدأت الجالية اليونانية تهوي شيئاً فشيئاً. فقد عاد أحد أكبر أقسامها إلي اليونان ، في حين أن موظفيها قد سلكوا طريق لهجرة ثانية إلي دول أخري (بشكل أساسي إلي جنوب إفريقيا وإلي أستراليا).

وبعد وفاة “سالفاغوس” تولي السيد “نيقولاوس فاتيبيلاس” بصورة مؤقتة لحين إنتخاب رئيس جديد وهو السيد “ذيمتريوس زيربينيس” (1948 – 1954) من رجال الصناعة ، وهو من جزيرة لسبوس. في عام 1949 تم تأسيس “المدرسة الفنية” والتي عملت في البداية كفترة ليلية ثم تحولت لتعمل بصورة يومية. وقد خدمت هذه المدرسة إحتياجات الشباب في تلك الفترة العصيبة للجمعية اليونانية بالإسكندرية وحقبة ما بعد الحرب. وبعد خروج السيد ” زيربينيس” عام 1954 ، تم إنتخاب السيد “أنستاسيوس ثيوذوراكيس” (1954 – 1973) وهو نجل عائلة سكندرية كبيرة. وأثناء فترة رئاسته ، حاولت الجمعية اليونانية أن تحتفظ وتنقذ جزء من أمجاد الماضي. حيث أن وقت العمل والإبداع وكذا وقت الإصلاح والتجديد قد إنقضي. حيث أن المحاولة كانت تتركز علي تحديد وتقليل الأنشطة وكذا الأنسحاب منها. ومع نهاية رئاسة “ثيوذوراكيس” ، تم إغلاق “دار المسنين أنطونياذيو” وتم نقل النزلاء إلي المبني الذي كان يعمل في وقتً ما “كدار أيتام كانيسكيريو”. يا لها من مفارقة مأساوية! المبني الذي كان يأوي الشباب الواعد بالجالية اليونانية المزدهرة ، الأن يحفظ بين جنباته كبار السن من أبناء الجالية. وفي هذا الإطار أيضاً تم غلق “مدرسة أرسطوفرونيوس” التي تم بنائها عام 1895 بجوار كنيسة “النبي إلياس” من قبْل الجمعية اليونانية “بالرمل” بمنطقة “جناكليس”.

وخلف “ثيوذوراكيس” في رئاسة الجمعية اليونانية ، المحامي المشهور والناجح “كوستاس سانذيس” (1973 – 1978). حيث إستمرت المحاولات للترتيب والتنظيم وإعادة التصحيح مرة أخري وكذا والمحافظة علي التواجد اليوناني بالإسكندرية.

في عام 1978 عندما خلف “كوستاس راباس” “كوستاس سانذيس” تقلصت الجمعية اليونانية في الجزء اليوناني بمنطقة “الشاطبي” ، حيث مازالت تعمل “مدرسة أﭬيروفيو الاعدادية” ومنذ بضع سنوات تم نقل القنصلية اليونانية العامة وأيضاً القنصلية القبرصية. ولقد بدأت ساعة العد التنازلي الصعبة بالنسبة لليونانيين بالإسكندرية.

وتوفي “كوستاس راباس” بمدينة أثينا عام 1983. وقد خلفه رجل الأعمال “بنايوتيس سولوس” ، وخلال فترة رئاسته تحقق تقليل معدل الخسارة ، ولكن كان إنجازه الأكبر هو إصلاح ومعالجة الأوضاع الاقتصادية للجمعية اليونانية بالإسكندرية ، مما يجعلها أن تصبح مرة أخري مستقلة إقتصادياً.

وقد خلف السيد “بنايوتيس سولوس” رجل أعمال آخر سكندري عام 1990 وهو السيد “ستيفانوس تمفاكيس” ، والذي تولي رئاسة الجمعية وهو في سن السابعة والثلاثون (37) من عمره ، وهو يعتبر حتي الأن أصغر رئيس للجمعية اليونانية بالإسكندرية. وقد عمل بشكل وثيق مع الجمعية اليونانية بالقاهرة ومع جمعيات المصريين المقيمين باليونان ، مستهدفاً حل المشاكل المشتركة. مع الإعتقاد بأن الحفاظ علي الجالية اليونانية بالإسكندرية هو شئ متصل إتصال مباشر مع مزيد من إستثمار المربع اليوناني بمنطقة “الشاطبي” ، وقام بعمل كثير من المحاولات والإتصالات لجذب المستثمرين والتبرعات من اليونان ، في حين أنه إقترح تأسيس كلية أثار ودراسات كلاسيكية ، والتي سوف تحمل اسم “الأسكندر الأكبر” ، وذلك لتعزيز إستمرار تواجد يوناني نشط بمصر ، وكذا التبادل الثقافي فيما بين البلدين. وقد عمل السيد “ستيفانوس تمفاكيس” بعد تركه رئاسة الجمعية اليونانية ، بمجلس اليونانيين المقيمين بالخارج ، وقد تدرج عبر عددة مناصب حتي إحتل أخيراً منصب رئيس المجلس.

في عام 2002 ، خلف السيد “ستيفانوس تمفاكيس” في رئاسة الجمعية اليونانية ، رجل الأعمال السكندري “خرالمبوس كاتسيبريس” ، والذي واصل محاولة إستغلال وإستثمار المربع اليوناني وممتلكات الجمعية ، حيث قام بتحديث لمباني وتقديم خدمات. وعمل علي تشجيع التعاون مع مجلس اليونانيين المقيمين بالخارج ، ومع الأمانة العامة لمجلس اليونانيين المقيمين بالخارج وعلي وجه العموم مع الدولة اليونانية.

في عام 2009 خلف “خرالمبوس كاتسيبريس” في رئاسة الجمعية اليونانية ، رجل أعمال سكندري ناجح آخر وهو السيد “يوأنيس سيوكاس” ، والذي نجح في رفع مستوي الخدمات المقدمة من الجمعية اليونانية بالإسكندرية تجاه ما تبقي من أعضاء الجالية اليونانية ، وكذلك نجح في الإدارة المربحة لأصول الجمعية الثابتة والمنقولة. وخلال فترة رئاسته تم الإنتهاء من كثير من الأعمال التي تم البدء فيها ، مثل : تجديد دار أيتام “مانا” ونقل نزلاء “دار أيتام كانيسكيريو” ، وأيضاً الوجود المستمر لدار الضيافة الخاص بنزل المعلمين اليونانيين. يعتبر تجديد المباني المدرسية ورفع مستوي خدمة التعليم المقدمة ، كانت بالنسبة للسيد “سيوكاس” ولاسلافه موضوع رئيسي وهام بالنسبة لسياساته. وعلي الجانب الأخر فقد واصل محاولات أسلافه من خلال التعاون البنْاء مع الدولة اليونانية ومع زيادة تقوية العلاقات مع الحكومة المصرية بهدف زيادة التعاون الموسع فيما بين الطرفين.

وفي عام 2015 خلف السيد “يوأنيس سيوكاس” في رئاسة الجمعية اليونانية ، رجل أعمال سكندري ناجح آخر وهو السيد “يوأنيس باباذوبولوس”.

 حيث كان هدف السيد “باباذوبولوس” ومن معه من معاونين هو مواصلة العمل ذو الأهمية الكبري الذي بدأه السيد “سيوكاس” وعموماً التركيز علي الحفاظ علي المباني التاريخية الموجودة بالمربع اليوناني ، وأيضاً العمل علي تعزيز الترويج للجمعية من خلال المطبوعات والوسائل الإلكترونية ، والتي قد بدأها بالفعل مع السيد “سيوكاس”. وكان الهدف أيضاً هو تعزيز المساعدة التي يتم تقديمها لأعضاء الجمعية الذين هم في حاجة إليها.